الإكتئاب الخفي أو الإكتئاب المبتسم، هو حالة نفسية خطيرة جدا، حيث أن المريض يُظهر عكس ما يخفيه، ويعتبر من أسوأ أنواع الإكتئاب، لأن المريض لا تظهر عليه الأعراض، فيظل في صراع متواصل مع نفسه ليخفي أنه يعاني من الإكتئاب. فيا ترى ما هي أعراض الإكتئاب المبتسم؟ وما هي طرق التعامل معه؟
أعراض الإكتئاب المتخفي
كل مرض له أعراضه الخاصة التي توحي بوجوده، إلا الإكتئاب الخفي، فإن أعراضه تموه الأشخاص الآخرين وتعطيهم نظرة جيدة حول المريض مما يجعلهم يعتقدون أن الشخص عادي وسوي، وهذا أمر خطير جدا، لهذا سوف أعرض الأعراض الأساسية لهذا المرض الخفي.
القدرة على إخفاء المشاعر الحقيقية
فإلى جانب الأعراض التي قد يعاني منها مريض الإكتئاب بشكل عام، كالحزن والكآبة والعزلة والإحباط والكسل، إلا أن مريض الإكتئاب الخفي يجيد لبس قناع يخفي به ما كل المشاعر الحزينة التي يضمرها في قلبه، حيث أن له قدرة على الضحك ومسايرة الناس وإبداء مشاعر الفرح رغم أن فؤاده من الداخل يتقطع كمدا وحزنا. وفيما يلي أهم أعراض الإكتئاب الخفي:
اضطرابات في الشهية
إن المصاب بالإكتئاب الخفي قد يُصاب بشراهة حادة فيبدأ في الأكل بكميات كثيرة، لأن هذا التصرف في نظره ربما قد يُقنع الآخر بأنه شخص عادي ولا يشكو من أي مرض، وكما نعلم أن الأكل الزائد يزيد في الوزن، وفي بعض الثقافات كثقافتنا العربية مثلا إن زيادة الوزن تعني أن الشخص يتمتع بأيام سعيدة وحياة جميلة. ولكن هناك ثقافات أخرى ترى أن الجسم النحيف هو رمز للجمال والرقة، لهذا فإن المريض في هذه المجتمعات قد يلجا إلى رجيمات قاسية من أجل الحصول على الجسد النحيف، ولكنه بينه وبين نفسه فإنها ليست رجيمات ولكنها رغبة في عدم الأكل فقط.
فقدان الرغبة والمتعة
حيث أن المريض لا يستمتع بلحظة الفرح من داخله رغم أنه يظهر العكس، وحتى الأشياء التي كان يحبها وشغوفا بها في السابق مثل الرحلات والإجتماعات العائلية أصبحت عنده شيء عادي جدا، ولا تحرك ولو نقطة من مشاعر الفرح في قلبه، هذا لأنه فقد المتعة في حياته بسبب إصابته بالإكتئاب الخفي.
العزلة
إن مريض الإكتئاب المبتسم من كثرة ما يخفي من المشاعر الحزينة والحقيقية أمام الناس، يصاب بالإرهاق والتعب الشديدين، لهذا نجده يحب الإنعزال والوحدة لكي يرتاح من تقمص الشخصية الفرحة والتي لا تمت لأحاسيسه الحقيقية بصلة، فالعزلة تجعله يرجع الى شخصيتة الحقيقية التي تتسم بالإكتئاب والضعف الشديد. كما أن حساسيته من الرفض والإنتقاد من طرف الناس يجعله ينهار بسرعة.
النوم الكثير
يلتجئ مرضى الإكتئاب الخفي إلى النوم الكثير، ربما كي ينسون معانتهم النفسية ويرتاحون من العالم الحقيقي، وخصوصا أنهم يعانون دائما سواء كانوا لوحدهم (لأنهم يعيشون على الآمهم) أو مع الناس(لأنهم يضطرون لتقمص دور الإنسان السعيد)، لهذا يكون النوم هو المنفذ الوحيد الذي يسترحون فيه من حقيقة وضعهم الكئيب، فتجدهم ينامون أكثر من الناس العاديين.
أسباب الإكتئاب الخفي
تتعدد أسباب الإكتئاب المبتسم، وأغلبها تكون خارجة عن إرادة المريض، فتؤدي به الى حالات من الحزن واليأس، فتساهم في تغيير مسار حياته نحو المجهول إذا استسلم لها ولم يقف أمامها مثل الجبل الشامخ لمواجهتها. ومن بين هذه الأسباب مايلي:
الفقد
إن الفقد من أهم الأسباب التي تؤدي بالعديد من الأشخاص إلى الإصابة بمرض الإكتئاب بشكل عام، والإكتئاب الخفي بشكل خاص. والفقد يتجلى في فقدان أحدِهم لأشخاص غاليين أوظيفة مهمة أو مال أو صحة، بمعنى آخر أي صدمة تمر على الإنسان وتهز كيانه بشكل كبير وخصوصا إذا كانت مفاجئة.
وما يجب أن نعرفه هو أن الناس يختلفون في تقبل الصدمات، فهناك أشخاص لديهم مرونة عالية ويستطيعون مواجهات صدمات الحياة كيفما كانت قوتها، وهناك أشخاص مرونتهم ونفسياتهم ضعيفة جدا، فلا يستطيعون تحمُّل حتى وجع الرأس الذي يمكن علاجه بحبة مهدئ، وذلك لأنهم يدققون في تفاصيل الألم والمعاناة لهذا يكونون عرضة للإصابة بهذا المرض الخفي بنسبة كبيرة.
الخوف من نظرة المجتمع
إن الخوف يولد في داخلنا صغيرا، ولكن من كثرة التفكير فيه والإنشغال به يصير كبيرا لدرجة أنه يمكن أن يصبح وحشا قد يدمر حياة الشخص.
والخوف أنواع، ولكن سنتطىرق إلى الخوف من نظرة المجتمع، كأن نخاف من غضب الناس، أو نخاف من عدم رضاهم على تصرفاتنا وأعمالنا. فهذا الخوف يجعل الإنسان المكتئب يكبت مشاعره وأفكاره كي لا يتعرض للنقد أو الإستهزاء من الآخرين، وخصوصا إذا كانوا نرجسيين أو متنمرين، مما قد يؤدي الى دخوله عالم الإكتئاب الخفي لأن الخوف سوف يدفعه أن يقوم بأشغال لا يحبها وهو مبتسم، فقط كي يُرضي المجتمع.
التنمر
من أكثر الصفات المجتمعية التي اكرهها أنا شخصيا، لأن التنمر يؤذي أصحاب الشخصيات القوية فكيف بمن يمتلك شخصية ضعيفة. والتنمر صفة لأشخاص حقودين وفاشلين، لهذا تجدهم يوجهون آذاهم وأسلوبهم الوقح في التنمر إلى أناس ناجحين في حياتهم ومؤدبين وذو أخلاق عالية، وهذا التصرف فقط ليدمروهم لأن المتنمرين لا يستطيعون الوصول إلى مراتب عالية وحتى إن وصلوا فسيظلون معقدين لأنهم في الأصل مرضى نفسيين. لهذا إذا كان الشخص ضعيف ولا يقدر على مواجهة الإنتقادات الهدّامة، فإنه لن يستطيع مواجهة المتنمرين وعندها سيصاب بالإكتئاب.
تحذير: بخصوص الأطفال، إنتبهوا على أطفالكم من الإحتكاك بالمتنمرين، لأنهم سوف يخربون حياتهم للأبد وسوف يجعلونهم ضعيفي الشخصية وغير قادرين على مواجهة المجتمع ومصاعب الحياة. كما يجب أيضا عدم السماح لأطفالنا بأن يكونوا متنمرين، وعلموهم أن التنمر ليس من شيم الأقوياء.
الحلول المقترحة للخروج من الإكتئاب الخفي
لكل مشكلة حل ولكل مرض شفاء، لهذا فإن العلماء حاولوا وجود حلول جيدة تساعد مريض الإكتئاب الخفي بالشفاء والخروج من حالته الخطيرة. ومن بين هذه الحلول مايلي:
تقبل الحالة النفسية
أن يتقبل الإنسان نفسه ووضعيته أمر جيد ومهم جدا في علم النفس، لأنه أفضل بكثير من الهروب ومقاومة الحالة التي يعاني منها، فالتقبل يجعل الشخص يبحث عن العلاج والحلول التي ستخرجه مما هو فيه.
وضع هدف في الحياة
إن وضع أهداف معينة في الحياة يجعل الشخص يسعى لها بجهد كبي، فيملأ وقته مما يجعله ينشغل عن التفكير في المشاعر المؤلمة، لأنه صارت عنده أولويات تغنيه وتعوضه عن الأشياء التي فقدها وكانت سببا في إصابته بالإكتئاب الخفي. فالشعور بالمسؤولية يساعد في تحريك الأعصاب وبالتفكير فيها وكيف ينجزها بدون أخطاء.
الإحتكاك بمجتمع إيجابي
إن الأشخاص الإيجابيون في حياتنا نعمة جميلة، لأنهم لا يضخمون الأمور السلبية ولا ينظرون للمشاكل من زاوية واحدة، وحتى إن أصيبوا بصدمة ما فإنهم يقومون بسرعة ويقولون لعله خير، فهم لا يعرفون المستحيل في تغيير حياتهم من الحسن إلى الأحسن، فهذه الفئة يجب على مريض الإكتئاب الخفي أن يحتك بها ويندمج معها.
خلاصة
أن يشعر الإنسان بمرض ما أو بحالة نفسية صعبة ويتقبلها، هي خطوة مهمة نحو العلاج ، فهذه الطريقة أحسن وأفضل بكثير من محاولة مقاومتها، وهكذا يجب مواجهة الإكتئاب المبتسم وعدم إخفائه بالإبتسامات المصطنعة والسعادة الكاذبة