إن تدمير الصحة النفسية للشخص قد لا تكون للمريض يد فيها، لأنه قد يكون هذا الشخص المدمر نفسيا نتاج آباء غير مسؤولين، أو نِتاج مجتمع مريض وفاشل. فالمجتمعات والعائلات تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للفرد، سواء بشكل إيجابي أو سلبي.فيا ترى كيف يؤثر المجتمع سلبا على الصحة النفسية للشخص.
الطرق الرئيسية التي بها تدمير الصحة النفسية من طرف المجتمع
ان تدمير الصحة النفسية قد يكون بسبب فعل بسيط من الاخرين، او قول او مزاح بين الاصدقاء، او عقدة نفسية من الطفولة، ففي هذا المقال سوف نتطرق إلى عدة عوامل و التي تؤدي إلى تدمير الصحة النفسية:
التنمر
هو سلوك عدواني يتكرر دائما من شخص أو عدة اشخاص، وهذا السلوك خطير جدا وخصوصا على الأشخاص الذين لا يمتلكون الثقة في النفس، حيث أن التنمر المتكرر يمكن أن يدمر نفسية الأقوياء في كثير من الأحيان، فكيف سيفعل في ضعيفي الشخصية؟
ففي منظوري الشخصي أعتبر المتنمر هو أيضا مريض نفسي يجب معالجته لأنه خطر على أفراد المجتمع، فإذا بحثنا في الأسباب التي أدت إلى الإنتحار عبر العالم سنجد على رأس قائمة الأسباب هو التنمر. فإذا ما حاولت المجتمعات علاج المتنمرين، فسوف يزداد عدد الأشخاص الذين يعانون من تدمير الصحة النفسية وبالتالي زيادة عدد الإنتحار عبر العالم.
إختلاف الأعراق والأجناس
نعلم جميعا أن هناك هجرة داخلية من مدينة إلى مدينة، أو خارجية من بلد إلى بلد، بغاية السفر أو من الدراسة أو العمل.
وما أريد قوله هو أننا مثلا نجد أفارقة في أوروبا، وهنا يتبين اِختلاف كبير في اللون والعرق وحتى في اللغة، وعندها سوف يحس المهاجر بنقص كبير جدا، وخصوصا إذا كانت معاملة أهل البلد قاسية و عنصرية، مثل أن يعاملوه بتكبر أو غطرسة فقط لأنه لايشبههم. و هذا لا يعني أننا نتَّهم الأوروبيين بالعنصرية، فقد يكون العكس، بمعنى أن يوجد أوروبي في بلد عربي أو افريقي، ويتعرض هو الآخر للإهانة أو التنمر أو السرقة بحكم أنه غريب ويستحق ذلك، او بسبب أحقاد عرقية أو دينية مثلا.
اما اذا اردنا التكلم حول مشكلة اختلاف الاعراق في البلد الواحد، فقد يكون سببها هو اختلاف البيئة، كأن يأتي بدوي إلى المدينة من أجل غرض ما (دراسة، عمل، تجارة، سياحة)، فكلمة بدوي فقط، قد تؤدي إلى تدمير الصحة النفسية خصوصا إذا كان هذا الشخص ضعيف الشخصية و سمعها من المتنمرين، أما إن كان ذا شخصية قوية فلن يهمه الأمر بالعكس سيكون مفتخرا بنَسبه للبادية التي هي بيئته الحقيقية والتي ترعرع وتربى فيها.
كما أن اختلاف الأعراق في البلد الواحد يمكن أن يؤدي إلى التنمر مثل وجود عرب، أمازيغ، و أكراد...الخ. ويمكن أن يحصل التنمر أيضا بين أفراد العرق الواحد، مما يعني أن التنمر ليس له دين ولاعرق فهو موجود في جميع بقاع الأرض.
العلاقات المسمومة
وهي تلك العلاقات التي تتسم بالسلبية وعدم الإحترام والتقدير المتبادل بين الأشخاص، كما أن هذه العلاقة تسرق منك الأمل وتجعلك تعيش في قلق دائم وعذاب نفسي، والغريب في هذا النوع من العلاقات أننا نجد الضحية عندها خوف رهيب من خسارة هذه العلاقة، وتتمسك بها مع أنها تدمرها كليا.
ويسمى هذا النوع من التعلق، بالتعلق الهوسي الغير الصحي، ورغم التعنيف والمعاملة السيئة، فإن الشخص السام في هذه العلاقة يجعل تفكير الضحية مشوش ولا يعطيها الفرصة للتفكير بالطريقة الصحيحة، لأنه يتميز بأسلوب التلاعب بمشاعر الضحية وذلك بالتلون مثل الحرباء. فاليوم يسيء التصرف مع الضحية ويحسسها بالنقص، ولكن في الغد يتحول إلى شخص آخر تماما، فيبدأ بالإعتذارات والوعود الكاذبة وكلمات الحب الساحرة.
إن الإزدواجية في الشخصية السامة تخلق في الضحية حالة من عدم الإستقرار النفسي فلا تستطيع اتخاذ أي قرار لأنها أصبحت فريسة سهلة بين يدي الشخصية السامة، وبالتالي تدمر الصحة النفسية للضحية. والحل الوحيد في هذا الموقف هو انسحاب الضحية فورا.
الفوارق الاجتماعية
هي تلك الإختلافات التي توجد بين أفراد المجتمع الواحد والتي تؤثر على فرصهم في الحياة ومستوى المعيشة لديهم، وهي إحدى التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة.
تتجلى هذه الفوارق في التفاوت الكبير بين فئات المجتمع من حيث الدخل والتعليم والرعاية الصحية والفرص، هذا التفاوت الطبقي يؤثر سلبا على التماسك الاجتماعي والإستقرار. حيث يعاني أفراد الطبقة الكادحة من نقص الفرص وضعف الخدمات الأساسية، في حين أن الثروة تكدس في أيدي قلة قليلة من المجتمع، بينما يناضل ويكافح الباقون لكسب لقمة عيشهم لتوفير احتياجاتهم الأساسية بمشقة الأنفس،مما يؤدي إلى اِنقسام المجتمع وزيادة التوتر والعنف لأنه مجتمع غير متوازن. فنجد الطبقة الفقيرة تعاني من تدمير الصحة النفسية، لأنها تحس بالحقد والغضب تجاه الطبقة ذات الثروة المكدسة.
ولمعالجة هذه الفوارق الهدامة، يجب أن تُبنى سياسات تقوي العدالة الاجتماعية وتوفر فرص متساوية للجميع، كالتعليم الجيد والرعاية الصحيةووجود فرص الشغل لجميع أفراد المجتمع .
تحمل الشخص فوق طاقته
قال الله تعالى في كتابه العزيز: "ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين". هذه الآية الكريمة يجب أن يعتمدها الإنسان في حياته، ولا يتعامل مع نفسه كالآلة التي تشتغل دون انقطاع، ورغم ذلك فإن الآلة تحتاج إلى راحة فكيف بجسم الانسان الذي هو لحم ودم ومشاعر وأفكار. لهذا يجب أن نتعامل مع أنفسنا وأجسادنا على أننا بشر له طاقة محدودة، وعلينا التعامل مع طاقتنا بحكمة واعتدال، من أجل أن لا نحترق ونصاب بأمراض لا حد لها، وفي الأخير سوف نتعرض لتدمير الصحة النفسية بأيدينا.
فكما يجب أن لا نُحمِّل أجسادنا جهدا بدنيا أكثر من اللازم، فيجب أيضا أن لا نحمل أنفسنا هموم المستقبل و مشاكل العالم بأسره، لأن هذه الأمور يمكن أن تؤدي إلى تعب النفس والعقل وإذا تعبت النفس والعقل فهذا سيؤدي إلى مراض نفسية كالإكتئاب مثلا والذي يكون من نتائج تدمير الصحةالنفسية.
العزلة
وهي الإنزواء والإنعزال عن المجتمع، والعزلة تؤدي إلى زيادة الكورتيزول مما يؤدي إلى ضعف الأداء المعرفي وضرب جهاز المناعة، كما أن شعور الوحدة يزيد من خطر تعرض الشخص للوفاة المبكرة. و العزلة تؤدي أيضا الى التفكير الزائد في خيبات الماضي مما يجعل حياة الشخص كئيبة جدا.
والعزلة خطيرة على الشخص لأنه كائن اِجتماعي بطبعه، فلابد له أن يعيش وسط الناس لأنه يحتاجهم ويحتاجونه. أما أن ينعزل الإنسان لمجرد أنه تعرض لخيانة أو صدمة فهذا يعني أنه غير قادر على تقبل الحياة بأفراحها وأتراحها.
لهذا يجب على أي واحد أن يعلم أن الإنعزال على المجتمع يساهم في تدمير الصحة النفسية أكثر من خيانة الناس والمجتمع له. لهذا يجب أن نطور مهاراتنا الإجتماعية وأن نتقبل كل الظروف التي نواجهها بكل قوة، لكي نستمر في عيش الحياة بشكل طبيعي.
الإدمان على العادات السيئة
الإدمان بأنواعه يؤثر على دماغ الشخص وصحته الجسدية وعمله وسلوكه …. الخ، وهناك نوعان من الإدمان:
ادمان المخدرات:
وهو ما يسمى إدمان المواد، كالكحول والمخدرات بجميع أنواعها، وقد يؤدي هذا النوع من الإدمان إلى تدمير العلاقات الإجتماعية والأسرية، ونعلم أنه كلما دُمِّرت هذه العلاقات إلا ودُمرت معها الصحة النفسية للمدمنين. وبالتالي يمكن للمدمن أن يفقد وظيفته ويواجه مشاكل قانونية إذا تورط في مشكل ما كسرقة الأموال من أجل شراء المخدرات. أضف إلى ذلك أننا نعلم أن المخدرات تسبب أمراض جسدية ونفسية وعقلية لمدمينها.
الإدمان السلوكي:
هو حالة نفسية مرضية، تتجلى في الرغبة الشديدة والمتكررة في القيام بسلوك معين، حتى وإن كان هذا السلوك مضر، والشخص إذا أحب سلوكا ما فإنه يهمل عدة أشياء أخرى مهمة في حياته والتي بدونها قد يتم تدمير الصحة النفسية.
ومن بين أنواع هذا الإدمان السلوكي إدمان الأنترنت والألعاب، إدمان الجنس، إدمان القمار، إدمان الاكل، إدمان العمل... الخ. فكلما أدمن الشخص سلوكا واحدا في حياته، فإنه سيدمر باقي الوظائف الحياتية التي يجب عليه فعلها لكي تكون حياته طبيعية ومتوازنة.
خلاصة
كل المجتمعات تحاول محاربة الجريمة وهذا أمر طبيعي، كما نجد أيضا أن الآباء يتمنون دائما أطفالا وأولادا ذوو أخلاق عالية، في حين أن العائلة لا تعلم انها أيضا يمكنها أن تكون السبب في إنتاج طفل معقد بسبب الدلال الزائد عن حدة وعدم تربيتهم على الأخلاق الحميدة واِحترام الأخرين. فإذا تدمرت الصحة النفسية للفرد فإنه قد يتضرر المجتمع كله، وإذا ما كان العكس فإن المجتمع سيكون متقدما وافراده مسؤولين وواعيين.
